أُمهات خالدات في التاريخ الإسلامي الواحدة منهن بآلاف الرجال
ــــــــــــــــــــــ د.صالح العطوان الحيالي 30.6. 2017
” النساء حين يغفلن عن ثغورهن تبدأ الأمم في التهاوي “
-------------- إن المرأة أمًا كانت أو أختًا فهي النواة الأولي لقيام المجتمع، فلها أكبر الدور في تربية وتنشئة الأبناء، ومساعدة الزوج في الأعـمال، ولعل أروع مثال علي ذلك أمنا خديجة رضي الله عنها وأرضـاها، كانت امرأة عملاقة ولعل عظمتها ترجع إلي أنها كانت موجودة في أدوارهـا كلها، فكانت تلك التي تهتم بتجارتها رضي الله عنها، وكانت متوفرة في بيتها وأولادهـا، فنجد أنها ورَّثَت كل بنت من بناتها خصلة من خصالها الحميدة الطيبة، وكانت نعم السند لرسول الله صلي الله عليه وسلم .
ولعل من جميل الدلائل علي أهمية البيت المسلم و دور المرأة أنه لما هاجر سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه في هجرة الحبشة بعث رسول الله صلي الله عليه وسلم معه بزوجته السيدة رقية رضي الله عنـها، فكانت لفتة من هدي نبوي راقٍ تؤكد ذلك المعني النبيل، ولمـا أغفلنا دور المرأة وتناسيناه، خرج جيلٌ مهتز الثقة بعقيدته وملامح دينه فتارة يميل مع أهأواء الغرب، وتـارة تقتلعه نزوات الشرق ! ، ولعل في التاريخ نماذج مشرقة من أمهاتٍ كن ذلك النبع المعطـاء فكان أولادهن ثمـار غرسهن، وصدق الذي قال: لئن كُنَّ النساء كما ذُكِرنَ لفُضِّلت النساء على الرجال. يُرجِع كثيرٌ من العلماء السببَ في تماسُك المجتمع الإسلامي، وانتصاره على الغزاة في مراحل الضعف التاريخي التي مر بها العالم الإسلامي – إلى المرأة المسلمة، وتمسُّكها بدينها وعقيدتها الإسلامية، آثرت من كان لها ولد، أن يكون من أبناء الآخرة لا من أبناء الدنيا، وأن يكون من جياد الخيل و أنفسَها، وأكثرها عراقة وأصالة، لأنها بينما كانت تهز مهده بيمينها، كانت تُعد سواعده بيسارها، فلا يكن عيشه كـعيش البعير، بل إن كثيرا من كبار حاملي الدعـوة هم غرس أمهاتهم، فهـا هو دورك بنت الإسـلام...
أم عمـارة نسيبة بنت كعب
----------- يوم أحد كان المشركون قد تجمعوا وصوَّبوا سهامهم ووحدوا هجومهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه، لكن هيهات هيهات :ما علموا أن ثمَّة أم عمارة هناك ، فوالله ما كان الخطر يدنوا من المصطفى إلا وأمُّ عِمارة دونه حتى قال الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه: ما التفتُّ يميناً ولا شمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني، وقال فيها الحبيب – جعلنا الله من أهل سنته – لمَّا رأى شدة بأس هذه المرأة في القتال والثبات والعزيمة قال: من يُطيقُ ما تُطيقينَ يا أمَّ عِمارة .
أُمُّ عمارة .. ضرب رجُلاً ابنها بالسيف فجرحه فأبت أن تتركه حتى قتلته واستقادت منه، فرآها النبي صلى الله عليه وسلم وتبسَّم حتى بدت نواجذه وقال : استقدتِّ يا أم عِمارة، وقال : الحمد لله الذي أظفرك ، وأقرَّ عينك من عدوك ، وأراك ثأرك بعينك.
لئن كُنَّ النساء كما ذُكِرنَ لفُضِّلت النساء على الرجال لقد استحقَّت أُمُّ عِمَارة أن يُعلَّق عليها وِسام أغلى من كل الأوسمة الدنيوية، قال فيها النبي وفي أبنائها: اللهم أجعلهم رفقائي في الجنة، فهنيئاً ثم هنيئا يا أم عمارة. لم تَكَلّ ولم تَمَلَّ أمُّ عِمارة بعد موت الحبيب.. بل استمرت في جهادها وبذلها، حتى قاتلت يوم اليمامة وجرحت اثني عشر جرحاً وقُطِّعت يدها وهي عجوز مُسِنَّة.
أم عـمارة بنت أبي سفيان
_______________ كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد نهي عن خلط اللبن بالمـاء، وفي أحد البيوت قامت امرأة تقول لابنتها : امزجي اللبن بالمـاء، فقالت الفتاة : يا أمـاه إن أمير المؤمنين قد أمر مناديا فنادي ألا يُشاب اللبن بالمـاء، فقالت الأم : يا بنية قومي إلي اللبن فاخلطيه بالماء فإنك في موضع لا يراك فيه عمر!
قالت الصبية : والله ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخـلاء، إن كان عمر لا يرانا، فرب أمـير المؤمنين يرانا، فكانت مكافأتها أن أصبحت زوجة لـعاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وكان من نسلها عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين، ذرية بعضها من بعض.
ست الركب أخت الإمام ابن حجر العسقلاني
------------ كانت قارئة كاتبة، أعجوبة في الذكاء، أثنى عليها، وقال: (وكانت أمي بعد أمي )، وذكر شيوخها وإجازاتها من مكة ودمشق وبعلبك ومصر، وقال: تعلمت الخط، وحفظت الكثير من القرآن ،وأكثرت من مطالعة الكتب، فمهرت في ذلك جداً، وكان لها أثر حسن عليه، قال: (( وكانت بي برة رفيقة محسنة ))، وقد رثاها بقصيدة عنها بعد موتها.
أم بديع الزمان النورسي
------------ انظر إلى هذه الكلمات للشيخ بديع الزمان النورسي، الذي يوصف بأنه مجدد الإسلام في بلاد الأناضول في العصر الحديث، يقول بعد أن يذكر عن والدته أنها لم تكن ترضع أولادها إلا على وضوء، يقول
“أقسم بالله إن أرسخ درس أخذتُه وكأنه يتجدد عليَّ، إنما هو تلقينات أمي – رحمها الله – ودروسها المعنوية، حتى استقرتْ في أعماق فطرتي، وأصبحتْ كالبذور في جسدي في غضون عمري الذي يناهز الثمانين، رغم أني قد أخذت دروسًا من ثمانين ألف شخص؛ بل أرى يقينًا أن سائر الدروس إنما تبنى على تلك البذور”.
أم الإمـام مالك رضي الله عنهما
------------ يروي ابن أبي أويس عن أم مالك ابن أنس قائلا: سمعت خالي مالك بن أنس يقول: كانت أمي تلبسني الثياب، وتعممني وأنا صبي، وتوجهني إلى ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وتقول: ( يا بني! ائت مجلس ربيعة؛ فتعلم مِن سمته وأدبه، قبل أن تتعلم مِن حديثه وفقهه ).
أم الإمـام الشافعي
-------- مات والد الإمام الشافعي، فكان وفاء الأم أن تجعل ابن محمد بن إدريس الشافعي إمامًا، فأخذته من غزة إلي مكة وهناك تعلم القرآن الكريم وهو ابن 7 سنوات، ثم أرسلته إلي البادية ليتعلم اللغة العربية، ثم تعلمه الفروسية و الرماية فكان يضرب مائة رمية لا يُخطئ منها واحدة، لم تترك الأمور تسير حسب الظروف، وإنما قرارات تربوية، وأجازه الإمام مالك للفتوي وهو في الخامسة عشر من عمره !! .
ذلك أن أمه كانت ذات ذكاء وتفقه في الدين حتي ذكر المؤرخون أنها تقدمت هي وامرأة أخري مع رجل للإدلاء بشهادة أمام القاضي، فأراد القاضي أن يفرق بينهما فقالت له : ليس لك ذلك، ثم ذكرت قول الله تعالي : ( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخري ) فانصاع القاضي لقولها .
لقد أوقفت أم الإمام الشافعي ابنها بين يدها و قالت له : أي بني عاهدني على الصدق، فعاهدها الشافعي أن يكون الصدق له في الحياة مسلكاً ومنهاجاً .
يروي الشافعيّ لنا نشأته فيقول : ( كنت يتيماً في حجر أمّي و لم يكن لها ما تعطيني للمعلّم، وقد رضي منّي أن أقوم على الصبيان إذا غاب وأخفّف عنه، و حفظت القرآن و أنا ابن سبع سنين، و حفظت الموطّأ و أنا ابن عشر ، ولما ختمت القرآن دخلت المسجد فكنت أجالس العلماء و أحفظ الحديث أو المسألة و كان منزلنا في شعب الحيف ، ما كنت أجد ما أشتري به القراطيس فكنت آخذ العظم و أكتب فيه و أستوهب الظهور – أي الرسائل المكتوبة – وأكتب في ظهرها ).
يقول الشافعي : فعدت إلى أمي أقول لها : يا أماه تعلمت الذل للعلم و الأدب للمعلم .
صفية بنت ميمونة بنت عبدالملك ( أم الإمام أحمد بن حنبل )
-------- مات زوجها محمد بن حنبل شابا في الثلاثين، وهي كانت دون الثلاثين، و رغم ذلك لم ترض بالزواج، وإنما أرادت أن تملأ علي ولدها حياته حنانا وأنسا، فأهدت إلي دُنيا المؤمنين، وعالم الموحدين إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
والدة الإمـام البخـاري
--------- نشأ البخاري يتيمـا في كنف أمه، لتقوم بتربيته أفضل تربية، فتتعهده بالرعاية والدعاء وتدفعه للعلم والصلاح، وترحل به في سن السادسة عشر إلي مكة للحج، ثم تتركه هناك وترجع ليطلب العلم بلسان قومه، ليرجع البخاري أمير أهل الحديث، ذلك الذي يقول عنه أستاذه : ليس أحد أفضل منه !
أسماء بنت أبي بكر
------------- هي الأم التي ربت ابنها عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنهما، ثم هي نفسها الأم التي قد فقدت بصرها، وتجده مصلوبا مقتولا فتحتسبه عند الله، من البداية إلي النهاية عطاء، تميزت بالسخاء، كلما جاءها شيء أخرجت شيء، تزوجت الزبير بن العوام وليس له من مال ولا أرض ولا مملوك إلا فرس، كانت ناجحة في بيت أهلها، ناجحة كـ زوجة وناجحة كـ أم.
قال عروة بن الزبير : دخلتُ أنا وأخي _ عبدالله بن الزبير _ قبل أن يُقتل بعشر ليال علي أمي وهي وجعة، فقال عبد الله كيف تجدينك ؟ قالت : وجعة.
فقال عبدالله: إن ف الموت لعافية ( كان يقصد موته هو ) يصبرها.
فضحكت وقالت له : لعلك تشتهي موتي فلا تفعل.
ثم قالت والله ما أشتهي أن أموت حتي تأتيني علي أحد طرفيك إما أن تُقتل وتستشهد فأحتسبك وإما أن تظفر فتقر عيني بنصرك.
إياك أن تُعرض عليك خطة فترفضها، ثم تقبلها مخافة الموت .
هـكذا يربي المسلمون أبناءهم، من الفطرة أن تقلق الأم علي ابنها، ولكن عليها أن تُخفي قلقها وألمها حتي تجيد تربية أبنائها رجالأ مجاهدين.
قالت له: يا بني أنت أعلم بنفسك فإن كنت علي الحق فاصبر عليه ولا تسلم نفسك وممن معك لعصبة من بني أمية، وإن كنت لست علي الحق فلبئس العبد أنت، أهلكت نفسك و ممن معك ، فقال : والله يا أماه ما جورت في حكم الله أبدا وما أحببت الدنيا قط، لا تفتري عن الدعاء لي.
ثم دعت ربها قائلة : اللهم إني أسلمته إليك فاجعل عزائي فيه حسنا، اللهم أرحم طول قيامه وظمأه في هواجر مكة والمدينة صائما، وبره بأبيه وأمه .
تتجلي هنا فطرتها الجميلة، فطرة الأمومة مع حُسن التربية لله، فلم تُظهر ضعف قلبها أمام ولدها حتي لا تُضعف قلبه .. فقط ناجت الله بضعفها.
عند قتله أبي الحجاج إلا أن يصلبه ذهبت إلي هناك حيث ابنها، جاءها الحجاج يقول : أوصاني بك أمير المؤمنين خيرا يا أماه !!
فقالت : أنا لست لك بأمـ ، أنا أم هذا المصلوب، وعند الله تجتمع الخصوم .
عـائشة الحرة والدة أبو عبد الله الصغير آخر حكام الأندلس
-------- نظرت (عائشة الحرة ) إلى ولدها (أبي عبد الله الصغير) ، سمعا معا صهيل الخيل فوق الهضبة والتي سميت فيما بعد بـ (هضبة زفرة العربي الأخيرة ، نزلت على إثر تنهداتها ، دمع من عيني ولدها الأمير المخلوع (أبو عبد الله، حيث صار عزاؤه هو البكاء حينها نظرت إليه أمه قالت له :
نعم ابكي، ابكي كالنساء ملكا مُضاعاً، لم تحافظ عليه كالرجال
كانت قطرات الدموع هذه هي آخر عهد المسلمين بالأندلس، وآخر عهد أبي عبد الله نفسه بهذه البلاد، بلاد الفردوس المفقود.
رزقت عائشة من السلطان أبي الحسن بولدين أبو عبدالله محمد (الصغير) وأبو الحجاج يوسف وكان من المقرر أن يتولي أبوعبدالله الحكم، لكن كان هناك عادة الزواج من النصرانيات ربما هي بتدبير من قشتالة بدأها عزيز بن موسي بن نصير وأوردته تلك النصرانية مورد المهالك، و زرعت إيزابيلا (ثريا ) أمام عين السلطان أبي الحسن فتزوجها وصارت ثريا تخطط لانتزاع الملك وقد رزقت بـ سعد ونصر، وفي يوم وقع أبو عبدالله الصغير في الأسـر، ولم يكن من المجاهدين الصابرين وكانت كل مطالبه هي العرش!، وصار مهيئ لفعل ما يُطلب منه حتي لو خالف دينه، أما الملكة عائشة فكانت تسعي لاسترداده سريعا حتي لا يقع تحت تأثير النصاري ونفوذهم .
فخرج والناس تحسبه مجاهدا صابرا بينما كان هو ضعيفا متهالكا لا يفكر إلا في الحكم وأن يوقف القتال حتي تسير أمور البلاد. بعد تسليم قصر الحمراء، وسقوط الأندلس ونفي آخر ملوكها إلي قرية من قري الأندلس، لم تكن تطيق الجلوس معه، وعندما تضطر لهذا كانت تقول :
لقد غامرت بحياتي لأنقذك من الموت، وبذلت غاية جهدي حتي لا يضيع منك الملك، ثم ضيعته بلا مبرر أو ثمن ! و تتركه وتذهب إلي شئونها، تقضي وقتها في الصلاة وقراءة القرآن، وتقول لمن صحبنها إن الله لن يغفر لهم ما صنعوه وإنهم أتعس بيت في العالم، وكانت تخرج إلي الفلاحين المنتشرين في تلك القري تحاول أن تقدم ما يمكنها من طعام ومال، وكانت تكلم أبا عبدالله الصغير في هذا الأمر فيتشاغل عنها أو يسفه هذه الأفكـار، وكان في أعماقه يدرك أن هؤلاء لو تعلموا لأدركوا المصيبة التي حلت بالمسلمين وأنه سبب هذه النكبة التي لم يحدث مثلها في بلاد الإسلام .
وفي يوم استدعت الوزير أبا القاسم عبدالملك، تخبره أنها تريد عزل ابنها عن العرش، فتعجب قائلا : أي عرش؟! .. قالت : عرش الملوك من بني نصر في غرناطة، لأنه لا يصلح لمثل هذا الجهاد الطويل مع القشتاليين، نريد أن نجمع أنصارنا من كل بلاد الأندلس فيثوروا علي فرنادو وهذه المرة لن يكون صلح أو تسليم، لكنه كان جبانا وقال : تلك الأفكار تعرضنا للقتل !
وكانت الملكة مريم زوجته تبكي كثيرا وتقول : كان الشعب يستطيع الصمود أمام الحصارلو وزعوا سلاحا علي الشعب لوجدوا جيشا كبيرًا، ولكنه يخاف علي عرشه وكان له أعظم من الإسلام، لكنه يفني علي أية حال، وقبل موتها أوصت الملكة عائشة أن يتربي أولادهـا على الإسلام والقرآن، ثم تساقط دمعها وهمست بضعف : لا تجعليه يسير في جنازتي .
ثم جاءه الوزير بأوراق هي عقود بيع أرضه وضياعه التي نفي إليها إلي الملكين الكاثوليكيين فرنادو وإيزابيلا وأن عليه المغادرة إلي أرض المغرب، في البداية غضب و رفض، وقال أن معاهدة التسليم لم تنص علي شيء من هذا، وقال : ماذا لو رفضت؟ أشار الوزير أبا القاسم إلي عنقه كناية عن الذبح وقال :لا يمكنك الرفض يا مولاي !
لقد بذلنا غاية جهدنا لتحسين الشروط، والمخالفة جزاؤها القتل، أما الملكة عائشة، لم تقبل التوقيع علي أي من هذه العقود وأدت صلاة العشاء في تلك الليلة ودخلت فراشها، وفي الصباح وجدوها في فراشها قد فاضت روحها الأبية الطاهرة، هل قتلها أعوان فرنادو خنقا، أم ماتت هما وكمدًا؟ الله وحده يعلم .
أم السلطان محمد الفاتح
----------- كانت أم السلطان محمد الفاتح تأخذه وهو صغير وقت صلاة الفجر، لتريه أسوار القسطنطينية وتقول له
أنت يا محمد تفتح هذه الأسوار اسمك محمد كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم والطفل الصغير يقول : كيف يا أمي أفتح هذه المدينة الكبيرة ؟! فتقول بحكمة : بالقرآن والسلطان والسلاح وحب الناس
توقفت كثيرًا أمام ذلك الرد القصير الحكيم، بتلك العناصر الأربعة التي جمعتها، فـفي محاولاتنا كلها غالبا ما نركز علي جانبٍ ونهمل الباقي.
والدة عبد الرحمن الناصر
----------- أمير المؤمنين عبد الرحمن الناصر الذي ولى الأندلس وهي ولاية تميد بالفتن، وتشرق بالدماء، فما لبثت أن قرت له وسنت لخشيته، ثم خرج في طليعة جنده، فافتتح حصناً في غزوة واحدة. ثم أمعن بعد ذلك في قلب فرنسا وتغلغل في أحشاء سويسرا، وضم أطراف إيطاليا، حتى ريض كل أولئك له، ورجف لبأسه، وبعد أن كانت قرطبة دار إمارة يذكر الخليفة العباسي على منابرها، وتمضي باسمه أحكامها، أصبحت مقر خلافة يحتكم إليها عواهل أوروبا وملوكها، ويختلف إلى معاهدها علماء الأمم وفلاسفتها.و سر هذا كله أمه التي ربته ، فقد نشأ عبد الرحمن يتيماً قتل عمه أباه، فاعتنت أمه بتربيته.
الخنسـاء: أم عمرو تماضر بنت عمرو بن الحـارث
عندمـا أخذ المسلمون يحشدون جندهم، ويعدون عدتهم زحـفا للقادسية، كانت الخنساء مع أبنائهـا الأربعة، تزحف مع الزاحفين للقاء الفـرس !
و في خيمةٍ من آلاف الخيام، جمعت الخنساء أولادهـا الأربعة، لتُلقي إليهم بوصيتها فقالت :يا بني، أسلمتم طائعين، وهـاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم ! ، وتعلمون ما أعده الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خيرٌ من الدار الفانية يقول تعالي : (يا أيهـا الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا تقوا الله لعلكم تفلحون )، فإذا أصبحتم غدا إن شاء الله سالمين، فاغدوا إلي عدوكم متبصرين بالله علي أعدائه منتصرين.
فلما أشرق الصبح واصطفت الكتاب وتلاقي الفريقان، أخذت تتلقي أخبار بنيها وأخبار المجاهدين، و جـاءها النبأ بالاستشهـاد فقالت : الحمدلله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مُستقرِ رحمته .
والدة الإمام سفيان الثوري
-------- سفيان الثوري هو فقيه العرب ومحدثهم وأمير المؤمنين في الحديث، كان وراءه أمٌ صالحة تكفلت بتربيته والإنفاق عليه فكان ثمرتهـا .
يقول : لما أردت طلب العلم قلتُ : يارب، لابد لي من معيشة ورأيتُ العلم يذهبُ ويندثر فقلت أفرغ نفسي في طلبه وسألتُ الله الكفاية ( أن يكفيه أمر الرزق ) فكان من كفاية الله له أن قيض له أمه التي قالت له :يا بني، اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي .
بل والأكثر من ذلك، أنها كانت تتعهده بالنصح والوعظ لتحضه علي تحصيل العلم فكان مما قالته له ذات مرة : أي بني، إذا كتبت عشرة أحـرف، فانظر هل تري في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك، فإن لم تر ذلك، فاعلم أنها تضرك ولا تنفعك، هكذا كانت أمه فكان سفيان.
والدة أبو الفرج الجوزي
--------- نشـأ يتيمًـا، حيث فارقه والده وهو بعد ابن ثلاثة أعـوام، ولما كبر أرسلته أمه وعمته إلي مسجد أبي الفضل بن ناصر وهو خاله، فاعتني به وأسمعه الحديث، و حفظ القرآن، ولما بلغ الرشد صـار ينتقي من الشيوخ من هو أمثل من غيره وأكثر إفـادة .
النوار بنت مالك ( والدة زيد بن ثابت )
------------ كان زيد بن ثابت صغيرا واشتاقت نفسه للجهاد وهو بعد ابن ثلاثة عشر عاما، وحين حاول أن يخرج للحرب في بدر، أرجعه رسول الله صلي الله عليه وسلم لصغر سنه، فعاد يبكي رضي الله عنه، فلما رأته أمه رضي الله عنها لم تطيب خاطره بكلماتٍ فحسب، فهي تهتم بابنها وتدرك عمق إمكانياته ومواهبه فقالت له : إن لم تستطع أن تجاهد بالسيف والدرع في المعركة كما المجاهدون فباستطاعتك أن تخدم رسول الله صلي الله عليه وسلم والإسلام بالعلم الذي عندك .
لقد كانت القراءة والكتابة مزية لدي زيد رضي الله عنه و يحفظ الكثير من آيات القرآن الكريم فاستطاعت الأم الواعية أن تفتح لصغيرها بابا آخر بعدما أُغلق بابُ الجهاد مؤقتا .
فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم : اذهب فتعلم لغة يهود، فإني والله ما آمنهم علي كتابي، فذهب زيد وتعلم لغة يهود في أقل من 17 ليلة !
و بعد ذلك جعله رسول الله صلي الله عليه وسلم من كتبة الوحي وكفاه ذلك شرفا، وبعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وسلم، أوكل إليه أبو بكر رضي الله عنه مهمة جمع القرآن الكريم، وكان عمره ثلاثة وعشرين سنة ! ، فرضي الله عنه وعن أمه .